Processing math: 0%
Typesetting
Historicizing the Geopolitics of Education and the SDGs: From Western Hegemony to a Multi-polar World?تأريخ الجغرافيا السياسية للتعليم وأهداف التنمية المستدامة: من الهيمنة الغربية إلى عالم متعدد الأقطاب؟
Abstract
This paper seeks to take a critical and historical look at the rise and fall of the SDGs, with a particular focus on education. At the core of the argument is that the SDGs (2015–2030), their predecessor the Millennium Development Goals (2000–2015), and the Education for All movement (1990 onwards) were the product of a post-Cold War, neoliberal, development agenda whose framing and logic were constructed in a moment of unipolar, US-led, Western hegemony, which today is collapsing around us. Geopolitics and global power are changing in important ways and we need to recognize this, and think through ways to ensure that we can support this in the interests of the marginalized global majority, in education and beyond. “Pax-Americana” needs to be replaced with a “Pax-Pluralis” that can underpin new global models of security, development, and growth that can better address the massive global challenges that we face.
الملخص
تتهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء بنظرة نقدية وتاريخية على ارتفاع وانخفاض أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى التركيز الخاص على موضوع التعليم. إن جوهر هذا النقاش هو أن أهداف التنمية المستدامة (2015-2030)، والأهداف الإنمائية لهذه الألفية التي جاءت قبلها بين عامي (2000-2015)، وحركة (التعليم للجميع) منذ عام 1990 وما بعده؛ كلها كانت نتائج مرحلة ما بعد الحرب الباردة والليبرالية الجديدة وأجندة التنمية التي تشكل إطار هذه الأهداف ومنطقها. وذلك خلال مرحلة الهيمنة الغربية الأحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة على العالم والتي أخذت اليوم بالتقلص. يتعين علينا اليوم أن ندرك أن الجغرافيا السياسية والقوة العالمية تتغير بشكل واضح، وأن نجد وسائل تساعدنا على ضمان قدرتنا على دعم هذا التغيير ليكون لصالح الغالبية العالمية المهمشة، سواء أكان ذلك على مستوى التعليم أو غيره. كما ولا بد من تغيير مفهوم "السلام الأمريكي" واستبداله بـ "السلام التعددي" الذي يستطيع أن يعزز التشكيلات العالمية الجديدة للأمن والتنمية والنمو. والتي ستكون قادرة بدورها على التعامل مع التحديات العالمية الكبيرة التي نواجهها بطريقة أكثر فاعلية..
Main Text
1. المقدمة
أشياء كثيرة تغيرت منذ أن تم الاتفاق على أهداف التنمية المستدامة في الشهر التاسع من العام 2015، ومما لا شك فيه أن سرعة العمل على هذه الأهداف وتمويلها والالتزام بتنفيذها قد تأثروا وفقاً لهذه المتغيرات التي طرأت. حيث عانى العالم من عدة تحديات، فلا تزال آثار جائحة كورونا التي اجتاحت العالم واضحة وملموسة؛ بالإضافة إلى غزو أوكرانيا، الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا (والصين)؛ وأزمات المناخ المستمرة التي تزيد من حدة التوتر بين قسمي الأرض الشمالي والجنوبي، وتؤدي إلى الهجرة، وتجعل حياة العديد من المجتمعات البشرية أكثر صعوبة؛ كما أن النمو العالمي لا يزال بطيئا ومتفاوتا بين دول العالم مع ارتفاع معدلات التضخم. الأمر الذي يشكل أزمة حقيقية في توفير أساسيات المعيشة في مختلف أنحاء العالم؛ بالإضافة إلى الارتفاع المستمر في حدة التوتر الجيوسياسي في سوريا منذ عام 2015، والحرب في اليمن؛ والحكم الاستبدادي في عدة أنحاء من العالم، ومؤخراً تزايد الانقلابات العسكرية في كل من (ميانمار) في قارة أسيا ودول غرب أفريقيا. وأخيراً وليس آخراً، الانفجار الأخير للعنف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والهجمات الوحشية الحالية على غزة والتي تبدو وكأنها تقترب من كونها حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي تقوم به إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني. مما لا شك فيه أننا نقدر أن نجمع كل هذه العوامل والأحداث معًا، ونبرر فشلنا في تحقيق تقدم كافٍ، وتقديم بعض الحقائق والأرقام والتعديلات، ثم نجدد الدعوة لزيادة الالتزام بأهداف التنمية المستدامة، ونتعهد بإنفاق المزيد من الأموال على التعليم، والاستمرار في التقدم للأمام لتحقيق هذه الأهداف.
ومع أنني لا أخالف الرأي القائل إن المزيد من الأموال ضرورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة -بما في ذلك الأهداف المتعلقة بالتعليم- ، ولا أن كل هذه الأسباب التي ذكرتها كان لها أثرها السلبي على التقدم، ولكن في هذا التعليق القصير أود أن أناقش الموضوع من وجهة نظر أخرى. ما أريد القيام به هو أن أعرض بشكل نموذجي وجهة نظر بديلة للتفكير في تطوير أهداف التنمية المستدامة، مع التركيز بشكل خاص على الهدف الرابع، الذي يضعها في بعد تاريخي أشمل، ويعكس الجغرافيا السياسية المتغيرة لهذه العمليات. عند القيام بهذا، أريد أن أفكر في الفرق بين تطوير التنمية الكبيرة والتنمية الصغيرة (وهو ما سأحدده أدناه)؛ واستكشاف الطبيعة المتغيرة لـكلمة "نحن" في المجتمع الدولي التي يتم الحديث عنها في أهداف مثل أهداف التنمية المستدامة. والهدف من القيام بذلك، أن أستطيع توضيح الطبيعة المتغيرة للتنمية الكبيرة -والتي تُعتبر أهداف التنمية المستدامة محورها حاليًا- والحاجة إلى الاعتراف بضرورة التعددية والتغيير والدعوة إلى أن يكون الحكم العالمي الحالي لنظام التنمية الكبيرة، يصب في مصلحة الشعوب الأشد حاجه له. مع الاعتراف في الوقت نفسه بتغير ميزان القوة العالمية، وتقلص دور الولايات المتحدة "الغرب" كقوة مهيمنة على العالم بسياسة الأمر الواقع بشكل عام على كافة النواحي الاقتصادية والأخلاقية والسياسية. والاعتماد على قول المفكر الإيطالي الشيوعي أنطونيو جرامشي (جرامشي، 1971): "تتجسد الأزمة بالتحديد في حقيقة أن القديم يفنى والجديد لم يولد بعد، وفي فترة الفراغ هذه تنبثق مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعراض المرضية"
إن جوهر نقاشي هذا هو أن أهداف التنمية المستدامة (2015-2030) والأهداف الإنمائية للألفية التي سبقتها (الأهداف الإنمائية للألفية، 2000-2015) كلها كانت نتيجة لأجندة التنمية الليبرالية الجديدة خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، والتي تشكل إطارها ومنطقها خلال الهيمنة الغربية أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة على العالم، هذه الهيمنة التي بدأت بالتقلص من حول العالم. وإلى جانب ذلك، تظهر قوى جديدة مثل الصين المنبعثة من جديد، وتحالف مجموعة البريكس الآخذ بالانتشار والتوسع، مع الأدلة الواضحة على الاستقلال السياسي الناشئ في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا. إن الجغرافيا السياسية والقوة العالمية أخذت بالتغيير بعدة طرق مهمة، ونحن بحاجة إلى إدراك هذا التغيير والتفكير في الاستراتيجيات لضمان قدرتنا على دعم هذا التغيير ليصب في مصلحة الأغلبية العالمية المهمشة. ولابد من تغيير مفهوم السلام الأميركي بمفهوم السلام التعددي الذي يمتلك المقدرة على دعم النماذج العالمية الجديدة للأمن والتنمية والنمو القادرة على التصدي بشكل أفضل للتحديات العالمية الكبيرة التي نواجهها. وفي هذا السياق، تبدو أهداف التنمية المستدامة وكأنها قضية ثانوية، أو من بقايا الماضي الذي كانت الولايات المتحدة تتولى قيادته. والبديل عنه ليس تحسين بطيء وتدريجي، بل زيادة في الخلافات والأزمات والحروب العالمية، التي تهددنا كلنا.
2. تفريغ التنمية
أول شيء أرغب في شرحه وتوضيحه هو مفهوم التنمية نفسه. وفي سبيل القيام بذلك، أعتمد على الفارق الذي شرحه الجغرافي جيليان هارت (2010) الذي تحدث عن التنمية الكبيرة والصغيرة:
"أعرّف التنمية "الكبيرة" بأنها مشاريع التدخل متعددة الجوانب في "دول العالم الثالث" والتي ظهرت في أثناء الصراعات لإنهاء الاستعمار والحرب الباردة. تشير التنمية "الصغيرة " إلى أن تطور الرأسمالية غير متساو على مستوى الجغرافيا ولكنه مترابط بشكل مكاني. فعمليات الإنشاء والتدمير، مترابطة جدليا مع خطابات وممارسات التنمية."
وكما لاحظ لويس (2019)، فإن هذه المفاهيم ليست مفاهيم ثنائية، ولكنها متداخلة مع مفهوم التنمية الكبيرة الذي يلقي الضوء على مشروعٍ سياسيٍ - يقوده الغرب، ولكنه معقد ومتعدد المستويات. ومع التنمية الصغيرة كعملية تنمية رأسمالية وما ينتج عنها من عمليات "البناء والدمار" والصراعات على السلطة والسيطرة. عند التفكير في التنمية الكبيرة هناك تحليلات عديدة لما كانت تتمحور حوله، ومتى ولدت، وفرق بين الأهداف المعلنة والأهداف الضمنية.
عندما نقوم بتدريس "دراسات التنمية" فإننا غالبًا ما نبدأ بالنقطة الرابعة للرئيس الأمريكي ترومان في عام 1948 حيث يتتبع الكثيرون استخدام مفهوم "التنمية". يقول ترومان في هذا الخطاب: "يجب علينا البدء في برنامج جديد جريء لجعل فوائد التقدم العلمي والتقدم الصناعي متاحة لتحسين وتنمية مناطق العالم الثالث. أعتقد أنه يجب علينا أن نتيح للشعوب المحبة للسلام نتاج مخزوننا من المعرفة التقنية من أجل مساعدتهم على تحقيق تطلعاتهم إلى حياة أفضل.... إن الإمبريالية القديمة -الاستغلال من أجل فائدة الأجنبي- ليس لها مكان في خططنا. وما نتطلع إليه هو برنامج للتنمية يعتمد على مفاهيم التعامل الديمقراطي العادل." (كلية يال للحقوق، 1949).
وكما لاحظ إسكوبار (1995) وريست (1997) وغيرهما من مفكري "ما بعد التنمية" في الثمانينيات والتسعينيات، فإن التنمية الكبيرة" لم تكن جيدة كما قد يبدو للوهلة الأولى. لأن تلقي الدعم دائماً ما كان خاصا ب "محبي السلام" والذي كان يعني في ذلك الوقت أن تكون مناهضًا للشيوعية، وكان التخلص من "الإمبريالية القديمة" حتماً بداية "إمبريالية جديدة" والتي كانت في كثير من الأحيان سيئة بنفس القدر بالنسبة للكثيرين في القسم الجنوبي من الكوكب. وكانت أيضاً ديكتاتورية للغاية: حيث كان مصطلح «معرفتنا» يشير دائمًا إلى غياب «معرفتك»، أو طبيعتها الناقصة. وعلى الرغم من هذه الانتقادات، كانت التنمية الكبيرة تحمل رسالة مبشرة تعكس فرصة للآخرين للحاق بركب الغرب، والدعم والتعامل العادل التنمية الكبيرة كانت بمثابة "الجزرة"، حتى لو اعتقد الكثيرون- وسرعان ما سيكتشف بعضهم- أن العقاب قد لا يتأخر كثيرا إذا لم يسيروا في الطريق المرسوم (براساد، 2020).
في العام نفسه (1948)، في الخلفية وفي الكواليس كانت وزارة الخارجية الأمريكية تقول شيئًا مختلفًا تماماً وهو:
"لدينا (أي الولايات المتحدة) حوالي 50% من ثروة العالم، ولكننا نمتلك 6.3% من سكانه فقط. وفي مثل هذه الحالة، لا يمكننا إلا أن نكون موضع حسد واستياء بالنسبة للآخرين. ومهمتنا الحقيقية في الفترة القادمة هي إيجاد نمط من العلاقات يسمح لنا بالحفاظ على هذا الوضع من التفاوت. وللقيام بذلك، سيتعين علينا الاستغناء عن كل المشاعر والعواطف. ويجب أن ينصب تركيزنا في كل مكان على أهدافنا الوطنية المباشرة. ويجب أن نتوقف عن الحديث عن شعارات غامضة وغير حقيقية مثل حقوق الإنسان، ورفع مستويات المعيشة، وترسيخ الديمقراطية." (وزارة الخارجية، الولايات المتحدة الأمريكية)
ويبدو أن هذين البيانين متناقضان. يقول أحدهما أن الولايات المتحدة موجودة لمساعدة بقية الدول على التطور، والآخر السري موجود لضمان عدم قيامها بذلك. ينبغي أن يمنحنا هذا مادة للتفكير، فيما إذا كانت التنمية الكبيرة هي وسيلة للحاق بركب الغرب أو آلية يمكن من خلالها ضمان بقاء الغرب بقيادة الولايات المتحدة في المقدمة، أو على حد تعبير كينان وسيلة للتنمية "نمط من العلاقات يسمح لنا بالحفاظ على هذا الوضع من التفاوت". أو ربما كان الأمران دائمًا على حد سواء: وسيلة لإضفاء الشرعية على نظام الهيمنة العالمية بقيادة الغرب، وفي الوقت نفسه أداة تضمن إعادة تشكيل الوضع العالمي الحالي غير المتكافئ إلى حد كبير.
3. تتبع تطور أهداف التنمية المستدامة والتعليم: من التعليم للجميع إلى الأهداف الإنمائية للألفية إلى الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة
بعد أن قمت بتحليل "التنمية"، أريد الآن أن أحلل ما معنى ذلك بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة والتعليم على وجه الخصوص-، بصفتها مجال فرعي للتنمية الكبيرة، وتتبع تطورها، خاصة في الثلاثين سنة الأخيرة. في مرحلة الحرب الباردة، كانت التنمية تعتمد على عالم ثنائي الأقطاب، كان فيه الشرق يقف مقابل الغرب، وكان الجنوب العالمي -أو ما يعرف باسم العالم الثالث- كما كان يسمى حينها ساحة هذا الصراع. وكما لاحظ العديد من المعلقين، كان عالماً متحزباً مليئاً بحروب الوكالة والصراعات والمساعدات المشروطة. أدى انهيار الاتحاد السوفييتي، من عام 1989 فصاعدًا، إلى انتصار الغرب، والذي تم اختصاره بأفضل صورة في نص فوكوياما الشهير (1992)، حيث تم تسميته "نهاية التاريخ" باعتبارها استعارة للانتصار النهائي للرأسمالية على الشيوعية. لقد عشنا في تلك السنوات صعود المشروع الجديد وهو التطوير الكبير الذي يؤدي إلى أهداف التنمية المستدامة في نهايته. وكانت الحجة الأساسية هي أن انتهاء الجمود الذي أصاب الأمم المتحدة بسبب انقسامات الحرب الباردة، يمكن أن يؤدي إلى بث الروح فيها وإحياء مهمتها التاريخية، تحت وصاية الولايات المتحدة. بالنسبة للولايات المتحدة والغرب، كانت هذه اللحظة عندما بدأ وجه يانوس (Janus-face) للتنمية الكبيرة في العمل. فمن ناحية أولى، فتحت ذراعيها للصداقة والشمولية، مع التعهد بتحقيق السلام والتقدم الاجتماعي العالمي؛ ومن ناحية ثانية، كان الهدف نشر الرأسمالية الليبرالية الجديدة في البقع الجغرافية التي لم تصلها حتى الآن. عندها صار مصطلح العولمة الشعار الرنان لعملية أقل فائدة بكثير تتجسد في دمج الفكر الرأسمالي في جميع التخصصات: الخصخصة، والاستعانة بمصادر خارجية، والتسويق، حيثما وجدت المساحة والفرصة (Amin, 2014). وبهذه الطريقة، يمكننا أن نفهم وجود هذه الأهداف العالمية في الأمم المتحدة: من التعليم للجميع (EFA)، والأهداف الإنمائية للألفية إلى أهداف التنمية المستدامة؛ باعتبار أنها الصيغة الاجتماعية لسياسة أكثر تناقضاً بكثير، يقودها الغرب بغالبية عظمى. أما في مجال التعليم، انتقل هذا من (التعليم للجميع) في عام 1990، إلى الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة وأهداف التنمية المستدامة، حيث أصبحت العدالة الاجتماعية ومنطق السوق مرتبطين ببعض بشكل متزايد. لقد تم تقليص نشاط "التعليم للجميع" عمليًا ليشمل التعليم الابتدائي الشامل (UPE) والمساواة بين الجنسين، وتم جمع هذه الأهداف مع زيادة التسويق وخصخصة التعليم، وخاصة مستويات التعليم العالي (انظر روب-إرتسون وآخرون، 2007؛ كليس، 2008). كما تابعت "اقتصاديات التعليم" استمرار صعودها المهيمن في مجالنا، وحكم منطقُ السوق عمليةَ صنع القرار في مجال التعليم من خلال تحليل "معدلات الربح"، مما أدى إلى مزيد من التقلص في الدور الاجتماعي للتعليم والهدف منه. حيث تم تغيير الهدف من التعليم باعتباره للفائدة العامة إلى التعليم كمنتج يمكن شراؤه وبيعه في صناعة التعليم العالمية. ويمكن رؤية اتساع نطاق الجهات الفاعلة المشاركة في هذه العمليات، وزيادة دخول رأس المال الخاص والشركات بصفة مديرين، وممولين، ومقدمين في كافة قطاعات التعليم. أصبح التعليم للجميع والأهداف الإنمائية للألفية وأهداف التنمية المستدامة أدوات للمراكمة والشرعية على حد سواء، مما أدى إلى غرس مخالب الرأسمالية العالمية، وفي الوقت نفسه إيجاد منظور لعالم أكثر سلاماً وموحدًا يتسع الجميع (نوفيلي، 2010، 2017؛ فيرجير وآخرون.، 2012).
ومع ذلك، فإن التاريخ لا يسير كما يُراد له. وحتى قبل أن يذوب الجليد عن عبوات الشمبانيا في فترة ما بعد الحرب الباردة، بدأت الحروب والصراعات تندلع وتلتهم مكاسب السلام المنشودة. بحلول عام 2001، كانت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية قد أعادت إلى أذهان الولايات المتحدة ودول أخرى فكرة أن الصراعات "البعيدة" يمكن أن "ترجع إلى أرض الوطن". ومع حروب احتلال العراق وأفغانستان، صارت أرباح السلام وكأنها حلم شبه مستحيل. بدأت الأغراض المشتركة لمشروع تطوير التنمية الكبيرة في الانهيار. تم استبدال عبارة فوكوياما "نهاية التاريخ" بعبارة هنتنغتون (1996) "صراع الحضارات"، مع "الحرب على الإرهاب" باعتبارها المحور. ومجيء الأزمة المالية في عام 2008، والتي حملت معها المزيد من الأعباء على الدول المانحة والتي قامت بتوجيه استثماراتها للداخل. بين الأزمات الأمنية والاقتصادية، كان العديد من المانحين التقليديين لمشروع التنمية الكبير يبتعدون عن الالتزامات العالمية والعمل الجماعي ويركزون على الأولويات الثنائية، ويستفيدون من المساعدات من أجل التجارة ويركزون على المساعدات الوطنية (المرتبطة بالمساعدات الأمنية في كثير من الأحيان). وقد أصبح هذا رسميًا مع اعتماد الاستراتيجية ثلاثية الأبعاد، التي تقوم على الدبلوماسية والدفاع والتنمية في العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وكندا وهولندا وأستراليا. ومع فقدان المساعدات لمصداقيتها بشكل متزايد، أفقدت التدخلات العسكرية الفاشلة في العراق وأفغانستان الغرب بشكل متزايد أي شعور بالقيادة الأخلاقية في الشؤون العالمية (نوفيلي، 2010). وتفاقم هذا التراجع بعد جائحة كوفيد 19. حيث بحثت الدول المانحة عن سبل سداد الديون المتراكمة خلال فترة الأزمات هذه. إن التنمية الكبيرة -أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة- تبدو مرة أخرى وكأنها مشروع يخدم في المقام الأول الأمن الغربي والاقتصاد الغربي على حساب "مستقبلنا المشترك". ولقد وقع التعليم في فخ هذه العملية (التنمية الكبيرة)، خاصة بوجود أدلة متزايدة على استخدامه لدعم العسكرة والخصخصة، ولتغطية الصفقات التجارية والتحالفات السياسية وضمان احتواء اللاجئين في القسم الجنوبي من العالم، أون أي إحساس بالمهمة الإنسانية والجماعية يبدو وكأنه فكرة لاحقة بعيدة (نوفيلي وكوتان، 2023).
ومن ناحية أخرى، احتضنت الصين وروسيا الفرص التي توفرت في فترة ما بعد الحرب الباردة من خلال العولمة والاندماج في الهيمنة التي يقودها الغرب ــ ولو بطرق مختلفة للغاية-. فقد طورت الصين خطة توسيع رأسمالية الدولة، في حين شهدت روسيا نهب موارد الدولة، وصعود النخبة واتساع الهوة بين طبقات المجتمع وزيادة أعداد الفقراء. والتي تم كبح جماحها لاحقا على يد بوتين الاستبدادي ورفاقه. كما شهدت هذه الفترة أيضا نموًا في بلدان أخرى متوسطة الدخل -ولو بشكل غير متساو-، وصعود مجموعة البريكس وزيادة التأكيدات على الاستقلال عن هيمنة الولايات المتحدة. وإذا كانت هناك تحسينات اجتماعية كبيرة فيما يتعلق بالحد من الفقر في العالم، فإن ذلك كان يرجع سببه إلى النمو في الصين والهند، وهو ما لم يكن له أي علاقة تذكر باستراتيجيات التنمية الكبيرة. إلى جانب ذلك يبدو أن مبادرة الحزام والطرق الصينية، التي ظهرت في نفس الوقت الذي ظهرت فيه أهداف التنمية المستدامة، تقدم بديلاً لأهداف التنمية المستدامة بدلاً من كونها مكملاً لها (كارمودي ووينرايت، 2022). وفي حين تحولت سلطة الدولة والهيمنة العالمية، فإن عدم المساواة العالمية -سواء داخل البلدان أو فيما بينها- زادت إلى مستويات تشعر فيها قطاعات واسعة من البشرية بالإهمال والتهميش والإقصاء والغضب المتزايد. وفي حين تمكن البعض من التنظيم من الأسفل، وبناء الحركات وتحدي سلطة الدولة، اختار الكثيرون النزوح الجماعي، في حين لجأ آخرون إلى العنف والجريمة. وفي العديد من النواحي، تصدر هذه الأزمات زعماء من أفراد الشعب يقدمون حلولا بديلة. باختصار، النظام العالمي على حافة الانهيار، اقتصاديًا وسياسيًا وبيئيًا (فريزر، 2023).
يبدو العالم في العام 2023 مختلفا جذريا عن عام 2015 الذي تم فيه إطلاق أهداف التنمية المستدامة، بل وأكثر من ذلك منذ التسعينيات وذروة الانتصار الغربي. ومن المفارقات العجيبة أنه وبعد عشرات السنوات من المناداة عن الحاجة إلى التكامل العالمي، يبدو الغرب أكثر ميلا إلى اتخاذ إجراءات تدابير الحماية، ويسعى بشكل متواصل لفصل نفسه عن رأس المال الصيني والروسي، والشركات الصينية. وسائل الحماية الجديدة هذه لا تنتهي عند المجال التجاري، إذ يحاول الغرب بشكل متزايد إغلاق حدوده، حيث تجبر الحروب والأزمات البيئية والانهيار الاقتصادي الكثيرين على الهجرة من الجنوب العالمي للبحث عن فرص في الغرب. إن النموذج الغربي العالمي بشقيه التنمية الكبيرة والصغيرة والذي وعد بالإنجازات الكثيرة عقب انهيار الاتحاد السوفييتي يبدو الآن غير صالح للغرض. إن إدراك هذا الأمر، على الأقل بالنسبة لي، هو المرحلة الأولى في التحرك نحو استراتيجية عالمية جديدة قادرة على العمل لتحقيق بعض المثل العليا في أهداف التنمية المستدامة. وسيتطلب الأمر أيضاً حساباً لماضي الغرب الاستعماري والإمبريالي (والحاضر)، والانفتاح على الاعتراف بتعددية الفكر والثقافة والهوية ونظام الحكم واحترامها. إن كلمة "نحن" في المجتمع الدولي كانت دائماً صغيرة للغاية، وقصيرة النظر للغاية، وتحتاج إلى إصلاح جذري.
4. إعادة النظر في التنمية والتعليم الكبيرين في عالم متعدد الأقطاب؟
ختاماً لهذه التأملات، أود أن أقول إننا وصلنا إلى مفترق طرق عالمي له اتجاهين مختلفين. الاتجاه الأول هو الاستمرار على نفس النهج المخطط له، والتعديل البسيط على أهداف التنمية المستدامة، والاستمرار فيه حتى الوصول نحو حرب باردة جديدة، وسباق تسلح متسارع، وزيادة فرص نشوب حرب نووية. أما الاتجاه الثاني يكمن في تقبلنا الوصول لعالم متعدد الأقطاب، وفتح الأبواب لحكم عالمي، والاستعداد لمراجعة جذرية للقيادة العالمية والأهداف العالمية، "صفقة جديدة"، والتي يجب أن تبدأ بعمليات السلام في كل من أوكرانيا وإسرائيل/فلسطين لإنهاء المذبحة التي لا معنى لها وعلاج النفاق والمعايير المزدوجة للمجتمع الدولي. لا يهدف هذا إلى إضفاء طابع رومانسي على دور الصين أو روسيا أو مجموعة البريكس، بل للاعتراف بأن الأهداف العالمية والقيادة العالمية تعكس القوة المادية والسياسية والمعنوية التي تغيرت بشكل جذري. وفي هذه العملية، أعتقد أن مجال التعليم المقارن والدولي في وضع جيد ومناسب لتوفير منصة للتواصل بين الشعوب لدعم تلك العمليات، والعمل على تعزيز القواسم المشتركة، وتمهيد الطريق أمام المسائل المعقدة والضرورية. إن العمل معًا، على صعيد التعليم وغيره لبناء الجسور التفاهم المتبادل وصياغة رؤى متعددة جديدة، هو مهمة ضرورية تقع على عاتقنا جميعًا ونحن نتحرك نحو تحقيق ذلك.
Abstract
الملخص
Main Text
1. المقدمة
2. تفريغ التنمية
3. تتبع تطور أهداف التنمية المستدامة والتعليم: من التعليم للجميع إلى الأهداف الإنمائية للألفية إلى الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة
4. إعادة النظر في التنمية والتعليم الكبيرين في عالم متعدد الأقطاب؟